top of page
  • Writer's picturesolafa sallam

مرحباً بكم .. في مخيم شاتيلا


طوال الأعوام الماضية استمعت الى الكثير لحكايات النضال والذكريات التي كانت ترويها لي جدتي في الاردن، وحكايات امي وذكريات طفولتها الممزوجة باللعب والنضال والقصف عن «مخيم شاتيلا» .. طالما حلمت ان ازور المكان من شدة اعجابي واشتياقي له بسبب تلك الأحاديث التي لم تفقد زهوتها وبريق عيناهن في كل مرة كانت جدتي وامي يحكون لي عن المخيم وسكانه وشهدائه..

تمر الاعوام وأتت الفرصة لزيارته، ومنذ أن وطأت قدمي أرض المخيم رأيت امامي كل ماحُكي لي..

هُنا صور القائد ياسر عرفات رحمة الله عليه معلقة في مدخل المخيم ترحب بكم، تترجل الى الداخل اكثر لتجد ساحة كبيرة كانت امي تشتري من احدى المحال البسيطة بها "كعكة بِكنافة" تشتريها كل صباح وهي ذاهبة لمدرسة الأونروا التي ستجدها في احد الازقة بالمخيم حيث تعلمت امي واخوانها..

قليلا إلى الأمام ناحية اليمين يتجه صوبي رجلا في الخمسين من عمره يرتدي بزّة عسكرية حاملا على كتفه الايمن بندقية قديمة الصنع، يخرج من غرفة صغيرة بها شباك يطل على المارة.. انها بمثابة مخفر صغير لأهالي المخيم

تترجل اكثر الى الداخل لترى ان الازقة تضيق وتضيق من كثرة ساكنيها، ملامح يطغى عليها الحزن والعجز ولكنها تأبى الانكسار..

اطفال بملابس رثه بسيطة لم تحتمل الصقيع الذي تمكن منها فتمزقت ولكن لا يملكون سواها.. نساء ورجال وعجزة، تشققت وجوههم من طول الانتظار لحق العودة حتى اليوم.. ملامح متمسكة بعروبتها تأبى التطبيع وترفض التفريط في حق الارض والعرض، يصارعون الزمن والاحتياج ولسعات البرد بتغطية حوائط منازلهم المهدمة جراء القصف بصور ياسر عرفات، وصورة لكل شهيد روى بدمه الأرض المحتلة وارض المخيم ..


ابحثي عن منزل رفيقات طفولتي "بيت بنات ام نظير" ستجدين بجواره منزلنا لربما تجديه مكانه وربما تجدينه حطاماً.. تلك الكلمات لم تفارق ذهني منذ ان وصلت، صرت ألتفت يمينا ويسارا اسأل هنا وهناك كل من امر بجواره باحثة عن شخص يصلني برفيقات امي ومنزلها.. "عن مين بتدوري ياختي؟" سؤال جاء من خلفي من سيدة في نهاية الاربعين من عمره، اربكني قليلا.. قلت لها ابحث عن فلانة ابنة ام نظير .. لتسألني مجددا "مين انتي ما بعرفك؟" ، انا ابنة تغريد بنت فريال كانت تسكن هنا منذ سنوات.. تعانقني فجأة.. الله يرحم جدك وستك، انا رفيقة امك! كل هذا وأنا ممسكة هاتفي وعلى اتصال مكالمة فيديو مع امي.. لتشاهد رفيقاتها ومنزلها المهجور منذ المذبحة، فرقتهم المسافات والحرب، ليتعانقون افتراضيا عبر هاتف ..اتركهم ولا اعرف متى سأراهم صدفة مقصودة مجددا


اسير للإمام مجددا استمع الى اصوات الباعة يدللون على بضاعتهم ذات الثمن البخس داخل سوق شعبي عرضه لا يزيد عن ثلاثة امتار ولكنه يتسع الى 15 ألف لاجيء فلسطيني، عدد ساكني المخيم.. في نهاية السوق ستجد حديقة محاطة بسياج لن تراها إلا عندما تدقق النظر وتزيح بيديك بضاعة الباعة المعلقة امام تلك الحديقة.. ها انت قد وصلت الى المقبرة الجماعية.. «مقبرة شهداء صبرا وشاتيلا»


لن ولم انسى ماشهدته في تلك الساعات القليلة داخل المخيم.. استطعت ان اشم رائحة جدتي فريال، رأيت وجه جدي خالد في وجه كل مسن يرتدي الحطة الفلسطيني ويترجل داخل أزقة المخيم مستعينا بعكاز شاهد على صباه و خريف عمره وعُمر من ولدوا وماتوا هناك..

خرجت محملة بـ آلامهم واحلامهم، تركت المخيم وفي قلبي غصة ستظل بداخلي طالما حييت..



16 views0 comments
bottom of page